أحد مصانع غزة المدمرة
في اللحظات التي كان فيها اقتصاد غزة المشلول يلتقط أنفاسه الأخيرة ، جاءت الحرب على غزة نهاية العام الماضي لتجهز عليه بشكل كامل وتعلن وفاته ليكون ضحية للحصار وإغلاق المعابر المتواصل لما يزيد عن العامين دون أن تسمح قوات الاحتلال بدخول أي من المواد التي من شأنها أن تعيد انعاش الاقتصاد .
تدمير الاقتصاد
فقد أكدت وزارة الاقتصاد الوطني في الحكومة الفلسطينية بغزة بأن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة دمرت كافة القطاعات الاقتصادية، موضحة بأن الخسائر في قطاعي الصناعة والتجارة بلغت 290 مليون دولار كخسائر مباشرة ناهيك عن الخسائر غير المباشرة.
وأكدت الوزارة بأن حجم الأضرار المباشرة الناتجة عن العدوان الإسرائيلي والذي جاء بعد حصار اقتصادي ومالي وإغلاق للمعابر وصل 240 مليون دولار في قطاع الصناعة و50 مليون دولار في قطاع التجارة "المحال التجارية بكل مستوياتها".
وقال المهندس زياد الظاظا وزير الاقتصاد الوطني بأن حجم الأضرار غير المباشرة بلغ أكثر من نصف مليار دولار في قطاع الصناعة والتجارة نتيجة وقف المصانع والورش عن العمل وطرد العمال منها، لافتا إلى أن الشعب الفلسطيني في غزة بات يستورد المنتجات والسلع بشكل اكبر مما سبق لتغطية احتياجاته.
وأوضح الظاظا بأن الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة قررت تقديم خمسة ملايين دولار كمساعدات للمتضررين، عدا عن وضع خطط لاعمار القطاعات المتضررة.
وبين الظاظا أن تلك المصانع رغم ما عانته سابقا من قلة المواد الخام والتشغيل إلا أن الاحتلال قام بتدميرها في العدوان بشكل كامل أو جزئي، ما أوقفها عن العمل وأصبحت غير قادرة على الإيفاء بالتزاماتها مع الجمهور والحركة الاقتصادية.
ويعيش قطاع غزة حالة غير مسبوقة من الحصار ، وتشدد قوات الاحتلال من إحكام قبضتها على المواطنين ، حيث تخضع المعابر الستة التي تشرف على قطاع غزة تحت السيطرة الإسرائيلية باستثناء معبر رفح المغلق في أغلب الأحيان .
ويعتبر قطاع غزة من أكثر المناطق اكتظاظا بالسكان، وأكثر فقرا وذلك لان المكون الأساسي من سكانه من اللاجئين المعدمين، وأعداد العاطلين عن العمل كبيرة ،ونسبة البطالة تتجاوز في تقديرات البنك الدولي ما يفوق الـ 60%.
يضاف إلى ذلك أن نصيب الفرد من سكان القطاع من الدخل وصل إلى أدنى مستوياته ولا يتجاوز أكثر من 700 دولار سنوياً.
صعوبة الإنعاش
ويعود بدء التدهور في القطاع الاقتصادي منذ اعتبار قوات الاحتلال لقطاع غزة كيانا معاديا ، والذي تبعه إلغاء الكود الجمركي لقطاع غزة، وهو ما أدى إلى توقف أكثر من 3500 مصنع عن العمل، وتشريد أكثر من 120 ألف شخص، حيث أن الكود الجمركي هو رقم دولي يتم من خلاله السماح بمرور البضائع عبر الأراضي الإسرائيلية، ووقف العمل بالكود والذي يمثل جزءا من اتفاقية باريس الاقتصادية يعني عدم قدرة المستوردين على استيراد أية بضائع للقطاع وهو ما سيلحق الضرر المباشر بالمنتجين والمواطنين.
وقد كشف "جون جينج" مدير وكالة غوث اللاجئين "أونروا" في غزة أن استمرار وإغلاق حدود إسرائيل أمام مرور الأفراد والبضائع، سيحول أعدادا متزايدة من سكان غزة إلى معتمدين على مساعدات الوكالات الإنسانية الدولية والمؤسسات الاجتماعية مما سيسبب انهيار الاقتصاد الفلسطيني، وبالتالي فان موارد الأمم المتحدة قد لا تكون كافية لاحتواء الأزمة الإنسانية.
ويجمع الخبراء الاقتصاديون على أن القطاع الصناعي تضرر بشكل كبير في الحرب الأخيرة على غزة ، مؤكدين أن الخسائر تقدر بمئات الملايين من الدولارات .
وبحسب الاقتصاديين فانه تم تدمير البنية الأساسية لقطاع الصناعة تدميراً كاملاً, مبيناً أن معظم المصانع والورش حتى الطرق المؤدية إلى البنية التحتية للمصانع كلها دمرت.
ويقول أستاذ الاقتصاد في الجامعة الإسلامية الدكتور محمد مقداد :"كنا نتحدث عن عدم وجود اقتصاد في غزة أيام الحصار ، أما الآن نقول إن الاقتصاد أصبح تحت الصفر ,لنصل لواقع صفري في الاقتصاد", موضحاً بأن إعادة إعمار البنية التحتية لاقتصاد غزة يحتاج إلى إعادة إعمار للمصانع نفسها بإعداد خطة من قبل الحكومة بالتنسيق ما بين الحكومة وبين المؤسسات الدولية والمانحة واتحادات الصناعة.
بالأرقام
ويعتمد القطاع الصناعي بشكل شبه كلي على المواد الخام المستوردة حيث تعتمد نسبة 80% على استيراد الآليات وقطع الغيار للصيانة ، وهو ليس متوفر هذه الأيام .
وتشير الإحصاءات إلى إغلاق أكثر من 97% من المنشآت الصناعية البالغ عددها 3900 منشاة صناعية، وعدم تصدير أي من بضائعها، الأمر أدى إلى انضمام أكثر من 35,500 عامل في هذا القطاع إلى أعداد العاطلين عن العمل، فقد بلغ عدد العاملين في القطاع الصناعي ما يقرب من 35,000 عامل لغاية الاغلاقات في منتصف شهر حزيران 2007 وبعد الإغلاق لا يتجاوز عدد العاملين في هذا القطاع أكثر من 1500 عامل.
وتبين التقديرات الصادرة عن الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية أن الخسائر الشهرية المباشرة للقطاعات الصناعية منذ بدء الحصار المشدد على قطاع غزة تبلغ حوالي 15 مليون دولار .
فيما تشير البيانات الصادرة من القطاعات الاقتصادية إلى بلوغ الخسائر المباشرة أكثر من 320 مليون دولار.
وأمام تلك الحقائق التي تؤكد على تدمير القطاع الصناعي يبقى الحل الوحيد هو فتح المعابر التجارية مع قطاع غزة دون أي عراقيل من قبل قوات الاحتلال