حرب غزة 2009 هل هي من الحروب الجديدة أم أنها امتداد للحروب السابقة؟ .. هي في الواقع حرب مؤجلة طال أمدها أكثر من 60 عاماً. كانت ستتم بعد حرب عام 1948 مباشرة عندما احتلت إسرائيل حيفا ويافا وعكا. أو كانت ستحدث بعد حرب 1967 عندما اكتسحت إسرائيل الضفة والقطاع وسيناء والجولان، إذن هي الحرب الوحيدة للفلسطينيين التي لم تكن بالوكالة, ففي حرب 1956 دخلت مصر في حرب طاحنة مع إسرائيل وفرنسا وبريطانيا وفي حرب 1967 كانت المواجهة بين إسرائيل و مصر والأردن وسورية والجيوش العربية, وفي 1973 تقاتلت إسرائيل مع مصر وسورية. وفي حرب 1982 قامت الحرب من أجل إخراج المقاومة الفلسطينية من بيروت, وفي 2006 شنت إسرائيل الحرب على لبنان.
وتعد حرب غزة 2009 الحرب المؤجلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين, وهي أيضاً أول حرب داخلية في العمق الفلسطيني, حيث كانت الحروب السابقة تدور في أراضي مصر, الأردن, سورية, ولبنان. أي أن إسرائيل انكمشت في حروبها من المدن العربية إلى حدودها والآن تحارب في العمق الإسرائيلي بحكم احتلالها الضفة والقطاع.
أهل غزة وهم يتحدثون لوسائل الإعلام كأنهم يستعيدون أعوام 1967 عندما اجتاحتهم الجيوش الإسرائيلية ورحلتهم إلى مخيمات في الأردن وسورية ولبنان والعراق وشتات جديد ينضم إلى شتات 1948. ما زال أهل غزة يشعرون بالكرامة المجروحة عندما سلمت الجيوش العربية وأعلنت الاستسلام والموافقة على الهدنة لحرب لم تدم سوى ستة أيام خسر فيها العرب الأرض والوطن .. والآن أهل غزة ومهما قيل من مبررات الحرب من أخل بالتهدئة ودفع بالحرب إلا أن غزة تولد من جديد كرقم صعب ومعادلة جديدة لربما تتغير معها أطراف المفاوضات ومعادلاتها. فالغرب الذي جاء (مجدولا) إلى رام الله والقاهرة والقدس لحماية إسرائيل وإيجاد الغطاء الدبلوماسي والسياسي لعل إسرائيل تنجز نجاحاً على الأرض لأنه يعرف جيداً أن أهل غزة قرروا محو ذاكرة 1967.
الشارع العربي تحرك بشكل منظم أو تلقائي مدفوعاً هو الآخر بأجواء 1976 التي تجرع فيها العرب النكسة والجرح الكبير وكأنه يعالج الذاكرة كما عالجها في حرب 2006 عندما وصلت صواريخ حزب الله والمقاومة اللبنانية إلى معظم المدن الإسرائيلية وأجبرتهم على قبول وقف إطلاق النار.
الشعوب العربية والإسلامية فرضت واقعاً جديد, فالمظاهرات في الدول الأوروبية والإسلامية والعربية بدأت ترفع شعارات اعتقد الغرب أنها طويت وعصف بها النسيان, وهي الحروب الصليبية والهجمات الاستعمارية التي بدأت في القرن العاشر الميلادي واستمرت حتى منتصف القرن الـ 20 لكي تتحرر جميع الدول العربية باستثناء فلسطين التي مازالت محتلة. هذا التحرك الإسلامي ورفع الشعارات المضادة ضد الغرب والصليب أخاف شركاء العرب على الضفة الثانية من البحر الأبيض المتوسط, وليس أدل من تحرك فرنسا بهذه القوة والاتحاد الأوروبي والتلميحات الأمريكية التي أدت إلى هدنة ووقف إطلاق النار ولو لساعات لإسرائيل.